فصل: تفسير الآيات (100- 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحق يقول: {لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} وساعة تسمع {عوجا} فإننا قد نسمعها مرة عوج بفتح العين. ومرة نسمعها عوج بكسر العين. حين نسمعها عوج بفتح العين، فالعَوَج هو للشيء الذي له قيام، كالحائط أو الرمح، أما العِوج بكسر العين فهو في المعاني والقيم، لذلك يقول لهم الحق عن انحرافهم في المعاني والقيم: {تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ}.
إن الحق يبلغهم: أنتم تبغون الدين عوجا برغم أنكم شهداء على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، أنه جاء مبلغا بالصدق، وكنتم تبشرون برسالة محمد، وكنتم تستفتحون على الذين أشركوا من أهل مكة وتقولون: سيأتي نبي نتبعه ثم نقتلكم معه قتل عاد وإرم. وأنتم- يا أهل الكتاب- شهود على صدق هذا الرسول.
لقد ارتكبوا سلسلة من المعاصي؛ هم ضلوا وجهدوا أن يُضلوا غيرهم. ويا ليت ذلك يتم عن جهل، ولكنه أمر كان يتم بقصد وعن علم.وبلغت المسألة منهم مبلغ أنهم شهود على الحق. وبرغم ذلك أصروا على الضلال والإضلال. ومعنى الشهود، أنهم عرفوا ما قالوا ورأوه رأي العين، فالشهود هو رؤية لشيء تشهده، وليس شيئا سمعته، لذلك يذكرهم الحق سبحانه بقوله: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
إنَّ الرسالة التي جاء بها محمد مبلغا واضحة، وهذا مذكور في كتبكم السماوية. فما الذي يجعلكم- يا أهل الكتاب- لا تلتزمون طريق الحق وأنتم شهود؟ لابد أنكم قد مستكم شبهة إن الله يغفل عن ذلك، فقال لهم لا: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
وبعد ذلك يأتي قول الحق سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}. اهـ.

.تفسير الآيات (100- 101):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم إيذانه بالسخط على أعدائه وأبلغ في إنذارهم عظيم انتقامه إن داموا على إضلالهم، أقبل بالبشر على أحبائه، مواجهًا لهم بلذيذ خطابه وصفي غنائه، محذرًا لهم الاغترار بالمضلين، ومنبهًا ومرشدًا ومذكرًا ودإلا على ما ختم به ما قبلها من إحاطة علمه بدقيق مكر اليهود، فقال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم {إن تطيعوا فريقًا} أتى بهذا اللفظ لما كان المحذر منه الافتراق والمقاطعة الذي يأتي عيب أهل الكتاب به {من الذين أوتوا الكتاب} أي القاطعين بين الأحباب مثل شأس بن قيس الذي مكر بكم إلى أن أوقع الحرب بينكم، فلولا النبي الذي رحمكم به ربكم لعدتم إلى شر ما كنتم فيه {يردوكم} وزاد في تقبيح هذا الحال بقوله مشيرًا بإسقاط الجار إلى الاستغراق زمان البعد: {بعد إيمانكم كافرين} أي غريقين في صفة الكفر، فيا لها من صفقة ما أخسرها وطريقة ما أجورها!.
ولما حذرهم منهم عظم عليهم طاعتهم بالإنكار والتعجيب من ذلك مع ما هم عليه بعد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحوال الشريفة فقال- عاطفًا على ما تقديره: فكيف تطيعونهم وأنتم تعلمون عداوتهم: {وكيف تكفرون} أي يقع منكم ذلك في وقت من الأوقات على حال من الأحوال {وأنتم تتلى} أي تواصل بالقراءة {عليكم آيات الله} أي علامات الملك الأعظم البينات {وفيكم رسوله} الهادي من الضلالة المنقذ من الجهالة، فتكونون قد جمعتم إلى موافقة العدو مخالفة الولي وأنتم بعينه وفيكم أمينه {ومن} أي والحال أنه من {يعتصم} أي يجهد نفسه في ربط أموره {بالله} المحيط بكل شيء علمًا وقدرةً في جميع أحواله كائنًا من كان.
ولما كان من قصر نفسه على من له الكمال كله متوقعًا للفلاح عبر بأداة التوقع مقرونة بفاء السبب فقال: {فقد هدى} وعبر بالمجهول على طريقة كلام القادرين {إلى صراط مستقيم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال أبو السعود:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمانكم كافرين} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى المؤمنين تحذيرًا لهم عن طاعة أهلِ الكتابِ والافتتانِ بفتنتهم إثرَ توبيخِهم بالإغواء والإضلالِ ردعًا لهم عن ذلك، وتعليقُ الردِّ بطاعة فريقٍ منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجابِ الاجتنابِ عن مصاحبتهم بالكلية فإنه في قوة أن يُقال: لا تُطيعوا فريقًا الخ، كما أن تعميمَ التوبيخِ فيما قبله للمبالغة في الزجر أو للمحافظة على سبب النزولِ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

إقبال على خطاب المؤمنين لتحذيرهم من كيد أهل الكتاب وسوء دعائهم المؤمنين، وقد تفضّل الله على المؤمنين بأن خاطبهم بغير واسطة خلاف خطابه أهل الكتاب إذ قال: {قل يا أهل الكتاب} [آل عمران: 98] ولم يقل: قل يأيُّها الّذين آمنوا.
والفريق: الجماعة من النَّاس، وأشار به هنا إلى فريق من اليهود وهم شَاس بن قَيس وأصحابه، أو أراد شاسًا وحده، وجعله فريقًا كما جعل أبا سفيان ناسًا قي قوله: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم} وسياق الآية مؤذن بأنها جرت على حادثة حدثتْ وأنّ لنزولها سببًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حذر الفريق من أهل الكتاب في الآية الأولى عن الإغواء والإضلال حذر المؤمنين في هذه الآية عن إغوائهم وإضلالهم ومنعهم عن الالتفات إلى قولهم، روي أن شاس بن قيس اليهودي كان عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد، فاتفق أنه مرّ على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج فرآهم في مجلس لهم يتحدثون، وكان قد زال ما كان بينهم في الجاهلية من العداوة ببركة الإسلام، فشق ذلك على اليهودي فجلس إليهم وذكرهم ما كان بينهم من الحروب قبل ذلك وقرأ عليهم بعض ما قيل في تلك الحروب من الأشعار فتنازع القوم وتغاضبوا وقالوا: السلاح السلاح، فوصل الخبر إلى النبي عليه السلام، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار، وقال: أترجعون إلى أحوال الجاهلية وأنا بين أظهركم، وقد أكرمكم الله بالإسلام وألف بين قلوبكم فعرف القوم أن ذلك كان من عمل الشيطان، ومن كيد ذلك اليهودي، فألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان يوم أقبح أولًا وأحسن آخرًا من ذلك اليوم، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقوله: {إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} يحتمل أن يكون المراد هذه الواقعة، ويحتمل أن يكون المراد جميع ما يحاولونه من أنواع الإضلال، فبيّن تعالى أن المؤمنين أن لانوا وقبلوا منهم قولهم أدى ذلك حالًا بعد حال إلى أن يعودوا كفارًا، والكفر يوجب الهلاك في الدنيا والدين، أما في الدنيا فبوقوع العداوة والبغضاء وهيجان الفتنة وثوران المحاربة المؤدية إلى سفك الدماء، وأما في الدين فظاهر. اهـ.

.قال الألوسي:

خطاب للأوس والخزرج على ما يقتضيه سبب النزول ويدخل غيرهم من المؤمنين في عموم اللفظ، وخاطبهم الله تعالى بنفسه بعد ما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بخطاب أهل الكتاب إظهارًا لجلالة قدرهم وإشعارًا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله تعالى ويكلمهم فلا حاجة إلى أن يقال المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بتقدير قل لهم. والمراد من الفريق بعض غير معين أو هو شاس بن قيس اليهودي، وفي الاقتصار عليه مبالغة في التحذير ولهذا على ما قيل حذف متعلق الفعل، وقال بعضهم: هو على معنى إن تطيعوهم في قبول قولهم بإحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية.
و{كافرين} إما مفعول ثان ليردوكم على تضمين الردّ معنى التصيير كما في قوله:
رمى الحدثان نسوة آل سعد ** بمقدار سمدن له سمودا

فرد شعورهن السود بيضا ** ورد وجوههن البيض سودا

أو حال من مفعوله، قالوا: والأول: أدخل في تنزيه المؤمنين عن نسبتهم إلى الكفر لما فيه من التصريح بكون الكفر المفروض بطريق القسر، و{بَعْدَ} يجوز أن يكون ظرفًا ليردوكم وأن يكون ظرفًا لكافرين وإيراده مع عدم الحاجة إليه لإغناء ما في الخطاب عنه واستحالة الرد إلى الكفر بدون سبق الإيمان وتوسيطه بين المنصوبين لإظهار كمال شناعة الكفر وغاية بعده من الوقوع إما لزيادة قبحه أو لممانعة الإيمان له كأنه قيل: بعد إيمانكم الراسخ، وفي ذلك من تثبيت المؤمنين ما لا يخفى وقدم توبيخ الكفار على هذا الخطاب لأن الكفار كانوا كالعلة الداعية إليه. اهـ.

.قال الطبري في تأويل الآية:

يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله، إن تطيعوا جماعة ممن ينتحل الكتابَ من أهل التوراة والإنجيل، فتقبلوا منهم ما يأمرونكم به، يُضِلُّوكم فيردّوكم بعد تصديقكم رسولَ ربكم، وبعد إقراركم بما جاء به من عند ربكم، كافرين يقول: جاحدين لما قد آمنتم به وصدَّقتموه من الحقّ الذي جاءكم من عند ربكم. فنهاهم جَلّ ثناؤه: أن ينتصحوهم، ويقبلوا منهم رأيًا أو مشورةً، ويعلِّمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوُون على غِلٍّ وغِش وحسد وبغض. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {يَرُدُّوكُم} رَدَّ، يجوز أن يُضَمَّن معنى: صَيَّر فينصب مفعولَيْن.
ومنه قول الشاعر: [الوافر]
رَمَى الحَدَثَانُ نِسْوَةَ سَعْدٍ ** بِمِقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودًا

فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضًا ** وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودَا

ويجوز ألا يتضمن، فيكون المنصوبُ الثاني حالًا.
قوله: {بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} يجوز أن يكون منصوبًا بـ {يَرُدُّوكُمْ}، وأن يتعلق بـ {كَافِرِينَ}، ويصير المعنى كالمعنى في قوله: {كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86]. اهـ.

.قال القشيري:

الوحشة ليست بلازمة لأصحابها، بل هي متعدية إلى كل من يحوِّم حول أهلها، فَمَنْ أطاع عدوَّ الله إلى شؤم صحبة (الأعداء) ألقاه في وهدته. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ ءايات الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}:

.قال الفخر:

كلمة {كَيْفَ} تعجب، والتعجب إنما يليق بمن لا يعلم السبب، وذلك على الله محال، والمراد منه المنع والتغليظ وذلك لأن تلاوة آيات الله عليهم حالًا بعد حال مع كون الرسول فيهم الذي يزيل كل شبهة ويقرر كل حجة، كالمانع من وقوعهم في الكفر، فكان صدور الكفر على الذين كانوا بحضرة الرسول أبعد من هذا الوجه، فقوله: {إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمانكم كافرين} تنبيه على أن المقصد الأقصى لهؤلاء اليهود والمنافقين أن يردوا المسلمين عن الإسلام ثم أرشد المسلمين إلى أنه يجب أن لا يلتفتوا إلى قولهم، بل الواجب أن يرجعوا عند كل شبهة يسمعونها من هؤلاء اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يكشف عنها ويزيل وجه الشبهة فيها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} أي على أيّ حال يقع منكم الكفر {وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ ءايات الله} الدالة على توحيده ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم يعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم بتحقيق الحق وإزاحة الشبه، والجملة وقعت حالًا من ضمير المخاطبين في {تَكْفُرُونِ} والمراد استبعاد أن يقع منهم الكفر وعندهم ما يأباه. وقيل: المراد التعجيب أي لا ينبغي لكم أن تكفروا في سائر الأحوال لاسيما في هذه الحال التي فيها الكفر أفظع منه في غيرها؛ وليس المراد إنكار الواقع كما في {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا} [البقرة: 28] الآية؛ وقيل: المراد بكفرهم فعلهم أفعال الكفرة كدعوى الجاهلية فلا مانع من أن يكون الاستفهام لإنكار الواقع، والأول أولى وفي الآية تأييس لليهود مما راموه، والأكثرون على تخصيص هذا الخطاب بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الأوس والخزرج منهم، ومنهم من جعله عامًا لسائر المؤمنين وجميع الأمة، وعليه معنى كونه صلى الله عليه وسلم فيهم إن آثاره وشواهد نبوته فيهم لأنها باقية حتى يأتي أمر الله ولم يسند سبحانه التلاوة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام إشارة إلى استقلال كل من الأمرين في الباب، وإيذانًا بأن التلاوة كافية في الغرض من أي تال كانت. اهـ.

.قال القرطبي:

ويدخل في هذه الآية مَن لم يَرَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما فيهم من سُنّته يقوم مقام رؤيته.
قال الزّجاج: يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمد خاصةً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم وهم يشاهدونه.
ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة؛ لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أوتَي فِيَنا مكانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِيَنا وإن لم نشاهده.
وقال قَتادة: في هذه الآية عَلَمان بيّنان: كتابُ الله ونبيّ الله؛ فأما نبي الله فقد مضى، وأما كتاب الله فقد أبقاه الله بين أظهرهم رحمةً منه ونعمةً؛ فيه حلالهُ وحرامهُ، وطاعته ومعصيته. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وفيكم رسوله} حقيقيّة ومؤذنة بمنقبة عظيمة، ومنّة جليلة، وهي وجود هذا الرسول العظيم بينهم، تلك المزيّة الَّتي فاز بها أصحابه المخاطبون.
وبها يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدْري: «لاَ تسبُّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لَوْ أنّ أحدكم أنفق مثلَ أُحُد ذَهَبًا مَا بَلَغ مُدّ أحدِهم ولا نصِيفه» النصيف نِصْف مدّ.
وفي الآية دلالة على عِظْم قدْر الصّحابة وأنّ لهم وازعين عن مواقعة الضّلال: سماعُ القرآن، ومشاهدَة أنوار الرّسول عليه السَّلام فإنّ وجوده عصمة من ضلالهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} استفهامٌ إنكاريٌّ بمعنى إنكارِ الوقوعِ كما في قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} الخ لا بمعنى إنكار الواقعِ كما في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا} الخ وفي توجيه الإنكارِ والاستبعادِ إلى كيفية الكفرِ من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال: أتكفرون؟ لأن كلَّ موجودٍ لابد أن يكون وجودُه على حال من الأحوال فإذا أُنكِرَ ونُفيَ جميعُ أحوالِ وجودِه فقد انتفى وجودُه بالكلية على الطريق البرهاني وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيات الله} جملةٌ وقعتْ حالًا من ضمير المخاطَبين في تكفُرون مؤكِّدةٌ للإنكار والاستبعادِ بما فيها من الشؤون الداعيةِ إلى الثبات على الإيمان، الرادعةِ عن الكفر، وقوله تعالى: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} معطوفٌ عليها داخلٌ في حكمها فإن تلاوةَ آياتِ الله تعالى عليهم وكونَ رسولِه عليه الصلاة والسلام بين أظهُرِهم يعلِّمهم الكتابَ والحِكمةَ ويزكِّيهم بتحقيق الحقِّ وإزاحةِ الشُّبَهِ من أقوى الزواجر عن الكفر، وعدمُ إسنادِ التلاوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإيذان باستقلالِ كلَ منهما في الباب. اهـ.